السبت، 30 ديسمبر 2017

أفكار اقتصادية من أجل اليسار ودعوة إلى الحوار: نحو نقد الليبرالية الجديدة

كتب / محمد شهدى سلطان

في منتصف السبعينيات، حدث الانقلاب الكبير في محاور السياسات الاقتصادية للدول الصناعية، في محاولة للاستجابة لتحديات أزمة التضخم الركودي، كما أشرنا.
وقد حدث «الانقلاب» على سياسات الرفاهة الاجتماعية التي قادتها «الدولة» في العالم الرأسمالي ـ وعلى أنقاض المذهب «الكينزي» نهض مذهب آخر من باطن الفكر الرأسمالي نفسه لينتشر باسم «الليبرالية الجديدة»، على سبيل التناظر مع «الليبرالية القديمة» التي سبقت ظهور الكينزية عبر منحنيات مختلفة، وتعرجات حادة، منذ ظهور كتاب آدم سميث عام 1776 بعنوان «بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم».
تمثل «الليبرالية الجديدة» امتداداً من نوع ما لليبرالية القديمة، من حيث الاستناد إلى الركائز الأساسية للرأسمالية دون (شوائب) كينزية، بالعودة إلى آليات السوق الحرة، وإعطاء الأولوية للقطاع الخاص «الكبير غالباً» على حساب الدور التنظيمي القوي للدولة وعلى حساب الطبقات العاملة، تشغيلاً ودخولاً وإنفاقاً ورفاهاً.
كان «نبي» الليبرالية الجديدة البازغة هو ميلتون فريدمان المفكر الاقتصادي الأميركي الحائز جائزة نوبل في علم الاقتصاد، والذي دشّن مذهباً معارضاً للكينزية وقاد تياراً اقتصادياً كاملاً سمّي تيار «النقديين الجدد» كامتداد للنظرية الأصلية أو «الأصولية» التي يمثلها الفكر الاقتصادي التقليدي ــ أو «الكلاسيكي» ــ في شقّه النقودي، القائل بأن كمية النقود تحدّد مستوى النمو الاقتصادي.
قوام المذهب الليبرالي الجديد، وفق النسخة المستحدثة لفريدمان ما يلي:
إن سبب التضخم هو زيادة الإنفاق الاجتماعي في الموازنة العامة للدولة، والتي تؤدي إلى «العجز» في الموازنة، أو تؤدي إلى تفاقمه، ومن ثم تضطر الحكومات ــ هكذا يقول ــ إلى محاولة سد العجز عن طريق وسائل التمويل التضخمي، وفي طليعتها إصدار النقود من دون غطاء مناسب (= الإصدار الجديد) وزيادة حجم الدين الحكومي وديون الهيئات العامة عبر الاقتراض العام، فيرتفع مستوى السيولة النقدية، ما يؤدي إلى تصاعد المستوى العام للأسعار.
هذه السلسلة الفكرية المترابطة تعلق الجرس في رقبة القطّ ــ الذي هو هنا: الفئات محدودة الدخل والطبقات العاملة، باعتبار أن تكريس شطر مؤثر من إنفاق الدولة لرفاهية هذه الفئات هو الذي يسبب الاختلال في التوازنات النقدية والمالية للاقتصاد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق