كتب / حسام صلاح
ماقدرش أتعامل مع الوسط ده تاني.. ما
افتكرش الجو ده هايتغير»، بهذه الكلمات أنهى الفنان محمود الجندي مشواره الفني في
حزن شديد، بشعوره الدائم بعدم حصوله على القدر المناسب لتاريخه كفنان دخل إلى
الساحة منذ عقود، وهو ما تأجج في نفسه إثر هدر حقه في الدعاية لمسلسله الأخير
«رمضان كريم» حسب تصريحه. أسدل «الجندي» الستار بهذه الشاكلة على رحلته في عالم
الأضواء والشهرة بعد رحلة طويلة، وهو من وُلد في 24 فبراير 1946 بأبوالمطامير في
محافظة البحيرة وسط 8 أشقاء، وأحب الفن بسبب والده الذي أنشأ أول دور عرض سينمائي
في مسقط رأسه بمشاركه صاحب «مكن طحين»، ليحرص الطفل على الجلوس بجوار مكنة العرض
حتى يشعر باختلافه عن بقية الحضور.
ببلوغه سن الرابعة واظب على حفظ القرآن الكريم
وتعلم اللغة العربية في الكُتّاب، بينما درس الحساب والعلوم في مدارس الأحد داخل
الكنيسة، وبعد 4 أعوام انضم لجماعة «الإخوان المسلمين» نتيجة انتماء أحد جيرانه
للتنظيم، ليبدأ في التمثيل بها بمشاركته في مسرحية «على ضفاف اليرموك»، وكان دوره
هو تقليد «صهيل الحصان» فقط. نتيجة قيد اسمه ضمن المنضمين للجماعة توجهت الشرطة
إلى منزله لإلقاء القبض عليه في أعقاب محاولة اغتيال رئيس الوزراء آنذاك جمال
عبدالناصر، لكن القوات ضبطت أخاه الأكبر «محمد» بدلًا منه، لكنهم تركوه بعد
اكتشافهم أن المطلوب هو طفل عمره 8 سنوات، ليهتم فيما بعد بالإنشاد الديني.
تردت
ظروفه خلال دراسته بالمرحلة الإعدادية، إذ ترك تعليمه بها لسوء الحالة المادية
لوالده، حتى التحق بالمدرسة الصنايع التي تخرج فيها بقسم النسيج فيما بعد، بهدف
ضمان فرصة عمل يساعد من خلالها أسرته، إلى أن حصل على وظيفة بأحد المصانع.
على الناحية الفنية كان مثله الأعلى
هو الفنان محمود الحديني باعتباره ابن محافظته البحيرة، وهو ما ولّد رغبته في
الالتحاق بمعهد السينما بالقاهرة، إلا أنه أخفى على والده ذلك مخبرًا إياه بأنه
سيبحث عن فرصة عمل.
بوصوله إلى القاهرة تقدم إلى اختبارات المعهد ونجح في
اجتيازها، لكنه اصطدم بشرط «عدم قبول سوى خريجي الثانوية العامة»، وذلك لوجود مواد
تُدرس باللغة الإنجليزية حسب ما أوضحه له وكيل المعهد آنذاك حسين عسر، حتى أمهله 6
أشهر لتعلم اللغة.
على الجانب الآخر وجد «الجندي» عملًا في أحد مصانع العباسية
براتب 4 جنيهات ونصف، وما أن روى قصته لمديره تحمّس له، واعدًا إياه بمساعدته في
حال قبوله بالمعهد.
بالفعل تم قبوله بالمعهد ووازن بين
دراسته وعمله بالمصنع، ليصارح والده بحقيقة ما فعله ولم يجد منه أي اعتراض، ليمضي
في خطواته مستفيدًا من خبرات أساتذته المخرجين صلاح أبوسيف وكمال الشيخ، والفنانين
عبدالوارث عسر ومحمود مرسي، بجانب مزاملته لعلي بدرخان وداوود عبدالسيد وخيري
بشارة. في عام 1965 اشترك كـ«كومبارس» في مسلسل «عيد الأعياد» مع عادل إمام وصلاح
السعدني، وبعد سنتين حصل على بكالوريوس المعهد العالى للسينما.
في تلك الفترة
التحق على وجه السرعة بالقوات المسلحة بعد الهزيمة المفاجئة التي حلت في 5 يونيو
1967، وبدأ خدمته كضابط إشارة في سلاح الطيران، وكانت له العديد من المواقف التي
كادت أن تغير مسار حياته للأسوأ. البداية كانت من حرصه على تنظيم فرقًا للتمثيل في
الوحدات العسكرية، مستغلًا هدوء الأوضاع آنذاك بعد حرب الاستنزاف، حتى وصل به
الحال في إحدى المرات إلى قيادة سيارة تابعة للجيش برفقة زملائه الموهوبين، قبل أن
يقع في قبضة قادة القوات المسلحة الذين حوّلوا مكان خدمته من الغردقة إلى مطار
فايد كعقاب له في أحد الأيام كُلف بمهمة إرسال بعض المظاريف التي تحتوي على
تعليمات سرية لوحدات مختلفة في الجيش، حينها تخلف عن الأمر لولعه بمشاهدة فيلم «My Fair
Lady» بالسينما، وعلى أساسه تم تحويله لمكتب قائد
القوات الجوية حينها اللواء أركان حرب محمد حسني مبارك واعترف له «الجندي» بسبب
تخلفه عن الأمر. حينها أبلغه «مبارك» أنه لولا اعترافه لزجّ به في السجن الحربي،
ليقرر تخفيف العقوبة إلى حرمانه من الإجازة المدنية لـ3 أشهر.
رغم مروره بالأزمات السابقة خلال فترة تجنيده
إلا أنه تزوج من السيدة ضحى حسن، ابنة المخرج عبدالفتاح حسن، أثناء قضائه إحدى
إجازاته من الخدمة، وهي من سبق وأن تعرف عليها أثناء دراسته في معهد السينما.
بالعودة إلى فترة تجنيده خاض «الجندي» حرب السادس من أكتوبر عام 1973 وهو ما مثل
علامة مضيئة في حياته حتى بعد أن أنهى خدمته برتبة نقيب سنة 1974.
في أواخر السبعينيات أعادت فرقة
«الفنانين المتحدين» عرض مسرحية «مدرسة المشاغبين»، حينها رفض الفنان الراحل أحمد
زكي تجسيد شخصية الطالب «أحمد» مجددًا ليحل «الجندي» مكانه، وكان من المفترض أن
تُصور مجددًا للتليفزيون بالألوان الطبيعية إلا أن ذلك لم يحدث، قبل أن يتألق في
مسرحية «إنها حقًّا عائلة محترمة» مع فؤاد المهندس وشويكار وأمينة رزق عام 1979.
من تتر مسلسل «أبنائي الأعزاء شكرًا» اكتشف فيه الراحل عمار الشريعي موهبةً غنائية
فذة، بعد أن ميز نبرة صوته عن بقية أصوات طاقم العمل وهم يرددون أغنية «بابا
عبده»، ليلحن له فيما بعد عدة أغنيات لمختلف الأعمال الفنية، حتى شجعه ذلك على
إنتاج ألبوم باسم «فنان فقير جدًا» لحن أغانيه محمد الشيخ وكتب كلماته فؤاد حداد.
كان «الجندي» على موعد مع التاريخ بعد ترشيحه للمشاركة في مسلسل «ليالي الحلمية»،
إلا أن وقوع الخلافات مع المخرج إسماعيل عبدالحافظ منعه من ذلك حسب ما رواه
السيناريست بلال فضل في برنامج «الموهوبون في الأرض لكنه لم يقف أمام الأمر
طويلًا، وتجاوز ذلك بمشاركته في العديد من الأعمال السينمائية، أبرزها «شمس
الزناتي» و«اللعب مع الكبار» و«حارة الطيبين» و«ناجي العلي» و«التوت والنبوت»،
وقابله على المستوى الدرامي ظهوره بمسلسلات «دموع في عيون وقحة» و«أبنائي الأعزاء
شكرًا» و«أنا وإنت وبابا في المشمش»، حتى برع في تجسيد دور «المدندش» في «الناس في
كفر عسكر».
على المستوى الشخصي كانت له ميول
فكرية غريبة إلى حد ما ليصل به الحال إلى الإلحاد في تلك الفترة، وروى خلال حواره
في برنامج «الستات ما يعرفوش يكدبوا»: «مريت بفترة تمرد على كل حاجة معروفة علشان
غروري، وكنت بتوهم حاجات وبتكبر الفكرة في دماغي، وكنت بدور على وسائل تفكير تشذ
عن السائد»، وهو ما اسماه فيما بعد بـ«مرحلة المراهقة الفكرية ـ«الجندي» 3 أبناء
من السيدة «ضحى»، من بينهم المخرج أحمد الجندي، وعاش في محيطه العائلي حياة هادئة
إلى أن تعرض منزله للحريق في عام 2001، وهي الحادثة التي أفضت إلى وفاة زوجته إثر
اختناقها من الدخان، كما التهمت النيران كل كتب الإلحاد التي كان يقتنيها ما
اعتبره فيما بعد «إشارة من الله» تجاه ما كان يعتقده. بعد الفاجعة التي ألمت به
قرر اعتزال الفن لاعتقاده بأن ما يقدمه يتعارض مع دينه، بجانب ارتداءه للجلباب،
وهي الهيئة التي عرّضته لمضايقات آنذاك، فمنعوه من دخول التليفزيون بسبب زيه وحُرم
من دخول أحد الأندية حسب رواية «فضل»، إلى أن خلعه رغبةً منه في عدم الإساءة لشكل
المسلم الصحيح حسب روايته. في نهاية الأمر تراجع عن قراره بعد لقائه بالداعية
الحبيب علي الجفري، والذي قال له: «إذا كنت بتعتذر عن التمثيل لإنه مش متوافق مع
دينك بقى إنت كده بتؤذي كل زمايلك اللي بيشتغلوا في المهنة دلوقتي، وبتقول إنكم
كلكم ماشيين غلط»، ونصحه بأن الأوفق هو أن يعود وسط زملائه الفنانين ويكون قدوة.
بهدوء أوضاعه تزوج للمرة الثانية من
الفنانة عبلة كامل بعد قصة حب نشأت بينهما أثناء عملهما بمسلسل «على حدّ السكين»،
لكنهما انفصلا بعد شهور قليلة، ليرتبط بعدها بابنة الفنان الراحل جمال إسماعيل.
بعد فترة بذل «الجندي» أمواله في تدشين استوديو خاص به، وهو ما نجح فيه بالفعل إلى
أن لاحقته ألسنة النار مجددًا باندلاع حريق في محتوايته عام 2013.
في يونيو 2015، زار ميليشيات «الحشد الشعبي» في
العراق برفقة الفنانة حنان شوقي، وهو التصرف الذي أثار حفيظة كثيرين بدعوى دعمه
للتشيّع، ليوضح خلال حواره في برنامج «100 سؤال» أنه توجه إلى هناك للتبرع إلى
الجنود ومساعدة الشعب العراقي، نافيًا حصوله على أي مبلغ مالي. في السنوات الأخيرة
شارك في العديد من الأفلام السينمائية على رأسهم «الحرب لعالمية الثالثة» و«الهرم
الرابع» و«كلب بلدي» و«من 30 سنة» و«القرد بيتكلم»، مع مواظبته على الظهور في
المواسم الرمضانية بمشاركته في مسلسلات «تحت الأرض» و«ابن حلال» و«طريقي» و«بعد
البداية» و«نيللي وشريهان» ووصولًا إلى «ظل الرئيس» و«رمضان كريم».
رغم انتهاء الموسم الرمضاني الأخير
دون أي رد فعل منه إلا أنه فاجأ الجمهور خلال اليومين الماضيين بإعلانه اعتزال
الفن نهائيًا، مرجعًا قراره إلى عدة أسباب على رأسها عدم حصوله على التقدير
المطلوب في الدعاية لمسلسل «رمضان كريم» من جانب قناة «DMC»
التي اهتمت بشكل أكبر بالإعلانات على حساب قيمة العمل وقدره كفنان حسب تصريحات سابقا فى بعض الصحف .
ومن باب احترامه لتعاقداته سيصور «الجندي»
مشاهده في الجزء الثاني من مسلسل «أفراح إبليس» وفيلم «طيارة»، لكن ذلك لن يثنيه
عن قرار اعتزاله حتى لو نال فيهما التقدير الذي يتمناه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق