كتبت:أمل فوزي
تم النشر بواسطة:عمرو مصباح
حين نتحدث عن مجتمع الميم في مصر، فإننا نتحدث عن قلوب تنبض بالخوف والحلم في آن واحد. خلف الأبواب المغلقة، يعيش كثيرون منهم حياة مزدوجة، يمارسون فيها حياتهم كأنهم أشباح، بين أحاسيسهم المختلفة التي يتمنون الإفصاح عنها وبين الرعب من هذا الإفصاح. لا قوانين تحميهم، بل قوانين تستخدم كسلاح ضدهم. يطاردون بتهمة "الفجور"، تنتهك خصوصياتهم، بل يستغل وجودهم على تطبيقات المواعدة للإيقاع بهم. فتتربص بهم الجهات الأمنية من ناحية ويتربص بهم المجتمع من الناحية الأخرى. فيعيش مجتمع الميم في مصر بين المطرقة والسندان، ليس فقط بلا قانون بل بسيف مسلط على رقابهم.
لكن الأمر لا يقف عند حدود القانون. ففي المنازل، بين الأهل والأصدقاء، يحاصرون بنظرات الرفض التي تصل في بعض الأحيان للامتعاض أو حتى للعنف. كم من شباب وبنات يقتلون في مصرنا الحبيبة نتيجة لميولهم الجنسية. فلم تعد الأسرة، التي من المفترض أن تكون ملاذا آمنا، آمنة مرة أخرى، بل تحولت أحيانا إلى سجن قاسٍ. يطرد البعض من منازلهم، يقطعون عن أحبائهم، وتكسر أرواحهم في صمت مرير. وكلما ازداد الرفض، تعمقت جراحهم النفسية والاجتماعية، ليصبحوا أسرى شعور دائم بعدم الانتماء والخوف من المستقبل.
على الرغم من كل ذلك، لا يستسلمون. يبحث البعض عن الأمل خارج الحدود، في أماكن يرون فيها بصيص حياة بدون خوف. الحلم بحرية التعبير والهجرة أو اللجوء يصبحان حلمًا وأحيانًا ضرورة. لكن حتى هذا الطريق محفوف بالمخاطر، إذ يتطلب شجاعة هائلة لترك كل شيء وراءهم والسعي نحو مستقبل مجهول. بين آمال الاستقرار والخوف من المجهول، يبقى القرار مؤلما ولكنه الخيار الوحيد للكثيرين. وفي رحلتهم نحو المجهول، يواجهون تحديات جديدة؛ من صعوبة التأقلم في مجتمعات غريبة إلى التحديات المادية والاجتماعية التي تجعل حياتهم في المنفى مليئة بالصعوبات.
ومن يبق في مصر، يجد طرقا للبقاء على قيد الحياة. الإنترنت يصبح ملاذا، حيث يشاركون أحلامهم وأحزانهم في مساحات صغيرة وسرية. تجمعاتهم، مهما كانت محدودة، تعكس صمودًا رائعا. يحاولون بناء مجتمعات صغيرة توفر الدعم والتشجيع، رغم كل المخاطر المحيطة بهم. يعملون على توعية بعضهم البعض بحقوقهم الأساسية ومحاولة خلق تغيير صغير في محيطهم، على أمل أن يصبح المستقبل أقل قسوة. لكن هذه المحاولات، رغم قوتها، تقابل بعراقيل هائلة من قِبل مجتمع يرفض تقبل التنوع بشكل عام.
وفي ظل هذا الواقع، يعيش مجتمع الميم حياة مشوبة بالقلق والتوتر. فحتى أبسط التفاصيل اليومية، مثل اختيار الملابس أو التحدث بحرية، قد تتحول إلى مصادر خطر. يجدون أنفسهم في مواجهة دائمة مع نظرات المارة، وأحكام المجتمع القاسية، وضغوط الأسرة التي لا تنتهي. وبينما يحاول البعض التكيف مع هذا الوضع، يختار آخرون الصمت كوسيلة للبقاء.
ومع ذلك، فإن الصمود هو السمة الأبرز لمجتمع الميم. فرغم كل ما يواجهونه، لا يزال هناك من يحلمون بتغيير هذا الواقع. من خلال الفن، والكتابة، والأنشطة السرية، يسعون لإيصال أصواتهم إلى العالم. يحاولون بناء أمل جديد في ظل الظلام الذي يحيط بهم، ويرون في كل خطوة صغيرة نحو التغيير انتصارا يستحق النضال.
لكن القصة لا تنتهي هنا. فبين قلوب تحمل الأمل وعيون تدمع خوفا، يبقى السؤال الذي يثقل القلوب: هل سيأتي اليوم الذي يحتضن فيه المجتمع المصري أبناءه من مجتمع الميم دون خوف أو رفض؟ هل سنرى يوم يقف فيه الجميع كتفا إلى كتف، بلا أحكام مسبقة أو نظرات قاسية؟ أم أن هذا اليوم سيظل حلما بعيد المنال؟
بقلم: أمل فوزي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق